من يرصد المشهد السياسي
الدولي سيجد أن الدبلوماسيّة السعوديّة النشطة حاضرة وبقوة ضمن ما يمكن أن يُسمّى في أدبيّات السياسة بالدبلوماسيّة الفاعلة والاستباقيّة، هذا المنهج السياسي الدبلوماسي تنتهجه الدول الواثقة من مواقفها وقراراتها المبنية على وضوح المواقف وثبات المبادئ ومرونة ترتيب المصالح، ومنهج Proactive and active diplomacy هذا يتيح للدول تعزيز مصالحها وإعلان مبادئها، وبالتالي تمكين مصالحها على الصعيد العالمي.
ويعزّز هذا التوجّه توسُّع مجالات الدبلوماسيّة السعوديّة لتشمل تزايد نشاط تنظيم وحضور اجتماعات القمم واستضافة المؤتمرات والفعاليات الدوليّة، وتنشيط الدبلوماسيّة البرلمانيّة، وتفعيل دور صناديق التنمية والإقراض والمساعدات الإنسانيّة، وضخ المزيد من السعوديين في المنظمات الدوليّة بما يليق بحجم المملكة ومساهماتها ودورها.
وربما يمكن أن نضع عنواناً لهذا النهج الدبلوماسي والسياسي السعودي ملخصه: التعاون والشراكات من أجل التوازن واستدامة السلام والتنمية العالميّة، ومما لا شك فيه أن ثمار هذا المسار ستتجاوز تعقيدات عالم اليوم المليء بالصراعات المسلحة؛ والنزاعات على النفوذ والموارد والممرات البحريّة والبريّة والجويّة، وهو عالم جديد يتّجه بوضوح نحو شكل سياسي دولي متعدّد الأقطاب الذي بدأ فعلاً في التشكّل بشكل بارز. كما يساعد هذا التوجّه أيضاً على ترتيب الأولويات وتوجيه وتكامل السياسات والجهود في كافة المجالات بما يدعم الاستراتيجيات الوطنيّة عالمياً في مجالات الاقتصاد والتنمية والأمن العالمي، وبطبيعة الحال تحقيق التوظيف الإيجابي للسياسة في عالم يراه مخطّطون استراتيجيّون مختلفاً اليوم عما كان عليه قبل عقود قليلة.
ومما يمكن قوله أيضاً -من خلال قراءة التوجّهات السعوديّة في صورتها الكبرى- وضوح التركيز على القيمة المضافة للإنسان السعودي في الثقافة والاقتصاد والرياضة والفن ومجالات أخرى، وذلك بتنشيط تنظيم الفعاليات وإنشاء المؤسسات، التي تقوم بتفعيل هذا الدور وإبراز صورة جديدة تبرز فيها مواهب وإبداعات المواطن السعودي ودوره في وطنه ومجتمعه الإنساني.
هذه الصورة يدعمها تغيّر المشهد الاتصالي
الدولي مع انتشار منصّات وتطبيقات التواصل بين الشعوب، والحضور الكثيف للسعوديّين على المشهد الإلكتروني، على هذا المشهد باتت شؤون "الإنسان" وأمنه وطعامه وعلاقاته -أياً كان موقعه- حديثاً محليّاً في أي مكان آخر من كوكب الأرض متجاوزةً حدود الثقافة والجغرافيا وبالطبع حدود السياسة. لقد أدرك السعوديون مبكّراً ملامح متغيّرات العصر وضروراته ولوازمه، فانخرطوا واستثمروا مبكراً في الإنسان أولاً ومن ثم فيما يمكن أن يقوم به على هذا
المسرح العالمي المفتوح. هذه الرؤية الاستباقيّة السعوديّة للذات والعلاقات مع الآخر لا شك سيكون أمامها تحديّات ولكن الزمن سيثبت أن زرقاء اليمامة -التي عاشت على هذه الأرض- وقالت الروايات عنها إنها كانت تُبصر "الشَعَرةَ البيضاء" في إناء اللبن، وترى الشخص من على مسافة يوم وليلة، قدّمت لنا رسالة من تاريخنا لمد البصر لنرى ما لا يُرى ونضع الرؤية ونستبق التحديات.
قال ومضى:
السر الوحيد في عصر المعلومات هو ما لم تُحدّث به نفسك..