في أوَّلِ يومٍ مِن بقيةِ حياتي..
انشقَّ الفجرُ عن غيمةِ التردُّد.. وتنفَّسَ الصُّبحُ من رئةِ اليقين
كأنَّ الزمانَ مسحَ جبينَه.. وتطهَّرَ من غبارِ الأمس
وقرَّر أن يبتسمَ لي لأوَّلِ مرَّة .
أفقتُ على صمتٍ يُشبِهُ حنينَ الحرفِ لشفاهٍ ناسيَة
وكان الصباحُ يربِّتُ على قلبي كما تربِّتُ الجدَّاتُ على وجعِ الطفولة .
في أوَّلِ يومٍ من بقيَّةِ حياتي..
لم أفتح النوافذ.. بل فتحتُ صدري للنسيم
وتركتُ روحي تجدِّلُ ضفائرها من خيوطِ النُّور
لا موعدَ ينتظرني’، ولا انتظارَ يُحاصرني
فقط قلبي.. كأنَّهُ يتعلَّم كيف ينبضُ من جديدٍ على مهل .
لفظتُ الحنينَ كحرفٍ ساكنٍ من بيتٍ مهجور
وأغلقتُ بابَ الذاكرةِ كما تُغلقُ أبوابُ الحكاياتِ في نهايةِ المطر .
حملتُ قلبي في كفِّ الرجاءِ.. كأنهُ قُبلةٌ مؤجَّلة
ومشيتُ على دربٍ مفروشٍ بنداءاتِ الغيمِ ومواعيدِ الندى .
صافحتُ الطُّهرَ في وجوهِ العابرين
وسمعتُ دعاءَ جدَّتي يتسرَّبُ من شقوقِ الوقتِ كعطرٍ قديم .
غسلتُ وجهي بماءِ النِّية/.. وتعطَّرتُ بصبرِ المواعيدِ التي لم تَخُن .
نفضتُ عن كتفيَّ غبارَ البارحةِ وسؤالَ "لماذا؟"
واكتفيتُ بـ"ها أنذا" أمدُّ أصابعي إلى الشمسِ دون خوفٍ من الاحتراق .
في أوَّلِ يومٍ مِن بقيةِ حياتي..
كتبتُ اسمي على الصفحةِ البيضاءِ بكفِّ الأمل.. لا بحبرِ التردُّد
وتركتُ للريح أن تُعيدَ ترتيبَ أمنياتي
علَّها تعرفُ الطُّرقَ التي نسيتُ أن أسلكَها
وتحملُني إلى حيثُ كنتُ أستحقُّ.. لا حيثُ كنتُ أهرب .
هذا اليومُ ليس عاديًّا..
إنهُ نُقطةٌ فاصلةٌ بيني وبينَ مَن كنتُ
ويكفي أنني قرَّرتُ أن أبدأ
فالبدايةُ وحدها.. قصيدةُ نصرٍ لم تُكتَب بعد .
حرفٌ انفلتَ من قلبي.. في أوّلِ يومٍ من بقيّةِ حياتي
أعاد ترتيبَ صمتي ..
" نِثَارُ الْغَيْم "