يُضمِرُها كما يُضمَرُ الحريقُ جمره
يدسُّ ملامحَها بين طياتِ الحروف
كمن يُخفي شمسه في جيبِ الغروب .
يكتبها بمدادٍ لا يُرى ،’ فتقرأهُ بعيونٍ لا تُخطئُ .
تدركهُ في انكسارِ القافية ،’ ومن شهقةِ تستشفُها توقًا .
الحبُّ يسيرُ على رؤوسِ التأويل
ممسكًا بتلابيبِ المعنى دون أن يصرّحَ باليقين .
فتمّت التوريةُ على مهل
حين خبّأها في ضميرِ غائبٍ لا يغيب
وجعل من كل استثناءٍ موطنًا لها
كأنها المبتدأ المؤجل والخبر الذي لا يأتي إلا متأخرًا .
إن نادى.. استعاض عن اسمها بوقفاتٍ بين الكلمات
وإن اشتاق.. اختصر الهيام في حرفِ عطفٍ يربطُهَا
كانت التشبيه الذي لا يحتاج أداةً
والبيان الوحيد الذي لا يحتمل سواه .
وما بين الفواصل..
يطوّقها برموزٍ لا يُبصرها سواها
حتى إذا قرأتْه أدركتْ أنّه كمّلها
ثم تنكّر لها خوفًا من السقوط في العلن .
هي في حضرته لا تُوازي شيئًا في اللغة
بل تُعيد تطريز الأبجدية على مقاسها
تجعل من “الحاء” التفاتةَ غنجٍ
ومن “التاء” زفرةٍ لا تُفسَّر .
وهو لا يُتقن الوقوف على السطر
يُطيل النهايات،’ يُلقي صخبه في هوامشها
يتسكّع في نقطتها الأخيرة
يسكن فاصلةً منها.. وينسى أن يعود .
وما بينهما.. شيءٌ يشبه الرقص بين لُغتين
كارتباك المطر حين يُلامس خدًّها .
حين تمرُّ أمامه،, تُحدِث خللاً في قوانين عقله
يحدّق بها.. لا يعرف أين تنتهي
كل التفافٍ في جيدها جملة شرطٍ
وكل انحناءةٍ جوابٌ معلّقٌ على صدرها .
في حضوره..
تتعمّد أن تترك من عينيها شيئًا معطوفًا على الغيم
تستعير من الجنون مَجازًا ومن الحذرِ حالًا
وتدعوه ليُفسِّرها دون معجم .
شغفٌ يكتُبُ نفسه.. يُترجم بين رمشةٍ ورمشٍ
دلالٌ يُقال واشتياقٌ يُسرّ
حين تُصغي إليه..
تُخفي قلبَها خلف ابتسامةٍ تربك التّوازن
تُدير فنجان القهوة كما لو كانت تقرأ طالعَ الشّوق
وتترك لمسةَ إصبعٍ على حافّته
كتوقّيع على صكِّ الوله باسمٍ مستعار .
وحين يُوشوِشُ..
ينتقي كلماته بعنايةِ شاعرٍ يُمسك بلؤلؤةٍ ندِيَّة
يزِنُ الهمس كما يزِنُ القُبلة قبل أن تلامس جبينها
ويُراوغ الاقتراب بنصف عين ونصف تنهيدة .
في حديثهما..
كل ضميرٍ مستتر يعود إليها
وكلّ فعلٍ ناقصٍ يكتمل به
يسيران فوق جملةٍ اسمية
مُبتدأها نظرة وخبرُها تنفّسٌ يسبق الارتباك .
يقترب.. ومسافة الأنفاس بينهما مرصوفةٌ بالوصايا
في كل طرفةٍ منها يوجد وعدٌ بعدم الاكتفاء .
تبتعد تترك خلفها فتنةً عصيّة
تنزع من صوتها نبرة الحنين
وتُلبس صمتها وعدًا مؤجّلًا
معلّقًا في الهواء كقلادةٍ معنى لا تُفكّ إلا بشغفه .
يرقبُ ارتجاف كتفها حين يمرّ بقربها
ويُنصتُ إلى تردّد خُطاها
فتكتبُ على جسد اللحظة همسًا لا يُرى
تدعوه ليُكمل الفعل في فضاءٍ لا يتقنه أحدٌ سواهما .
وكزةٌ تُلامسُ الحافة،, تنسابُ بخفّةٍ
تُمارسُ بصمتٍ وبطءٍ يُشبه الانزلاق
كغفوةُ الشفاهِ تُخلّ بالاتّزان
وشغبُ لذةٍ تُوشوشُ بلغةٍ لا تُفكُّ إلا على طرفِ آهةٍ
كإعرابٍ مُلغَّم بالشغف
تمرُّ كإملاءٍ فيه خطأٌ مقصود
تلامسُ الإدراك بأثرٍ لا يُمحى،, تُعيد ترتيب الحواس .
وفي فصلهما الأخير..
تتهاوى القُيود وينحني الخجل.. تُشعل الفتنة على طرف شفتيه
فلا يبقى منهما إلا رمادُ النّشوة
وروحًا من شهقةٍ.. ختامها سُكونٌ فارهٌ لا يُفسَّر إلا بالنّبض..
شرارةٌ انفجرتْ من صمتِ دهشتي ونبضٌ تفرَّد كأنّه خُلق ليبُوح بها ..