لم يغمض له جفنٌ من الحنين الذي طما طوفانه ، وجافى مَضْجِعَهُ جنباه –كأنه على شجر القتاد يتقلبُ- فاتجه إلى باحة المنزل ، وأطال النظر إلى النجوم والبدر المكتمل ، وعند تباشير الفجر الأولى مضى إلى القرية ، وجال في أنحائها مستعيدًا أيام طفولته ، فعند هذا المنزل الطيني كان يرقب المارة بخوف وخشيةٍ ، ويسلِّمُ على من يمرُّ به وقدمٌ داخل المنزل وقدمٌ في الشارع -ليسهل عليه الفرار إلى الداخل إن اقترب منه أحد- ، وهنا كان يجلس على المطصبة مع أترابه ليتجاذبوا أطراف الحديث ، وتحت الشجرة الضخمة كان يتذرع التفيُّؤَ تحتها من هجير الشمس ، لينظر إلى الصبية التي تلعب أمام منزلها ، وهذا حانوتُ تاجر الحلوى ، الذي يشتري منه مثلجاتٍ ، ويختلسُ –على غفلةٍ منه- قطعة حلوى ، أو لبانٍ ، أو... ، وهذا ، وهذا ...
عندما تعالى الضحى مضى إلى الأثلة في طرف القرية ، وطاف حولها قليلًا ، وجال في مغاني صباه ، مستعيدًا ذكراها ، ثم مضى إلى البيت الطيني المقفر من أهله وروَّاده ، ودلف إلى باحته ، وأجال ناظره فيه ، ثم قال : أيها الطللُ العزيزُ : هأنذا أعوجُ عليكَ وحيدًا ، بعدما أوهن المتلونان قوتي ، وأخذا شبابي ، وألانا قناتي ، وأثقلا كاهلي ، ومضيا بأجمل عهد ، وأنقى قلبٍ ، وأرق نسمتين !
ثم اتجه إلى نافذة الغرفة المطلة على الباحة ، ووقف أمامها مليًّا ، يتذكر حينما كان يتحدثُ أسفلها مع سارة ، ويمضيان خلف أخيلتهما وأمانيهما ، وحين يعدو خلفها ، فتهبط من النافذة ، وتتجه إلى الغرفة من جديد لتهبط من النافذة مرة أخرى –ويتبادلان الأدوار إن ضرب ظهرها بكفه- ، ثم قال : هل يبزغ علينا قمر اللقاء ، وتشرق شمس الوصل ، وينجاب ليل النأي ، ويضيء صبح الحب علينا تحت سقفٍ واحدٍ سعيدين أبد الآباد ؟!
ثم جلس تحتها ومد يده فوصلت درفتها ، وكان فيما مضى يشعر أنه يهبط من شامخ حين يهبط منها ، ثم نهض ومضى إلى الدرج المؤدي إلى السطح وصعدها ، وأجال ناظره في السطح الصغير الذي كان فيما مضى يشعر بالتعب قبل أن يصل نهايته .
اتجه إلى حائطه القصير ، وأطل منه على الأزقة الضيقة ، والبيوت المتلاصقة ، والمزارع المهجورة ، ثم نزل واتجه إلى حوض النخلة الذي كاد يندرس رسمه ، والذي كان يلعب عنده مع سارة ، فيأخذان خوصتين ، أو بسرتين صغيرتين مما سقط من العذوق ويقذفانها في ماء الحوض ، ويحركان الماء بأيديهما لينظرا أيهما تسبق الأخرى ، وأخذ عودًا ، ونكتَ به الأرضَ ، ثم قال : لاتنتظريني على شاطئ البحر كما التقينا بعدما شببنا ، ولا تأتي إلى الأثلة عند النبع في مغنى الصبا ، ولا تنتظري أن تهمي غيوم الحب على حقولنا القاحلة ، ولا تنتظري نورس الوصل أن يرفرف فوقنا مؤذنًا باللقاء ، فما عاد لنا في هذه الفانية لقاء ، ولعل الرحمن الرحيم ادخر لنا اللقاء الأعظم ، والوصل الذي لا يعقبه فراق ، في جنةٍ عرضها السموات والأرض ، أما في هذه الفانية ، فقد مضت أجمل العهود ، وأحلى الليالي ، وأرق نسمتين ، وأمسى قلبي مسرحًا لأظعان الفراق ، وأطلالًا لغربان البين ، ومسرىً لأعاصير النأي ، ولم يبق من الشمس إلا أشعة أصيلها التي لن تلبث حتى تُؤْذِنَ بالأفول ، فإذا أفلت حياتي مع أشعة شمس الغروب ، وأدرج اسمي في سجل الراحلين ، فارقبي الأكف وهي تنزلني إلى جدثي ، وتحثو التراب ، ثم ارفعي أكفَّ الإخلاص ، واسألي اللهَ لي الرحمة والغفران ، فهذا غايةُ ما أرجوهُ ، وآملهُ منكِ !
ثم نهض واتجه إلى الباب ، وهو يقول : الشَّبَابُ جَنَّةُ العُمْرِ ، والصِّبَا فِرْدَوْسُهُ !
مرت المشاهد أمامي
تلمستها بروحي
أخذتني معها إلى حيث ؛
سرت ولعبت وتنفست وحلمت
إلى حيث الأماني العابقة بالأمل
والأيام التي جعلت مما مضى ذكريات
تأخذك بمعيتها..
إلى حيث السلام والرضا ..
رأيتك هناك طفلاً شقيّاً
وهناك عاشقاً متيّماً
وهناك مودعاً لحقيقة تتنفسك
ظننتها ستطلق صراحك
وستودعك مع وداعك لماضيك
لكنها باقية تساكنك
تمتطي صهوة رغباتك إلى مالا نهاية ..
أستاذي أتعلَم ..
لقد قرأتك حرفاً حرفاً
ومازلت أتوق للقراءة مجدداً .
لمدادك سحر عجيب وعطر آخاذ
فُتِنت حقاً بهذا النص
فأبجديتك وحسن البيان
وبلاغتك في الوصف ورصف المعان
وسلاسة الحديث هنا غواية ..
تسامت روحي لتبلغ غيمك المثقل بالرواء
ولعمري لم أقرأ مثل هذا لكاتب قط
وأظنني سأطلق الروح
لتتبع ماخطت يمينك واحساسك
لأستزيد مادام بمعيتك المزيد
...
الكاتب والروائي الكبير
عبدالعزيز التويجري
أهلاً كبيرة بحجم السماء
بك وبما جادت به يداك
أهلاً بمداد يحبس الأنفاس
يسلب الألباب
ويزرع الدهشة على ملامحنا
وأتمنى أن يكون الآتي
محملاً بعطرك وحرفك
طبت وطاب لنا منك الرواء
ولروحك الرضا حتى ترضى .
تحياتي وكل اعجابي وليته يليق
أسلوبك رائع في السرد والطرح والوصف
حروفك سامقة وباذخة
أشكرك من أعماق القلب ..على جنة الحروف هنا
سطور تعانق الغمام بروعتها
دمت بهذا الجمال دوماُ
شكري وتقديري مع أرق التحايا
للمرة الثالثة ألج هذا المتصفح لأرد ولكني أبوء بخفي حنين !
كاتبتنا المبدعة ، بل أختي الموقرة روح : ردٌُّ بليغٌ يردُّ عليه ؟! أم ينسخُ للجهاز للاحتفاظ به ؟!
لا ، والرب ! بل يحفظُ في الذاكرة ، ويردَّدُ بين آنٍ وآنٍ ، ويتتلمذُ على بلاغته ، ويوسم على سويداء القلب ، ويوضعُ تاجَ فخرٍ على هام جميع نصوصي !
أختي الموقرة روح : رضي عنكِ ربي في الدنيا والآخرة ويوم يقوم الأشهاد ، وأسعدكِ مدى العمر (امتناني الجم مدى العمر) .
حرفُكَ رَبيعٌ فاتِنْ ..
كلمات تصل الي شغاف القلوب
وقلم متميز ينثر عطرة هنا وهناك
الإلهام لبُ الكتابة حقا ..
أروتني أحرفك حد الإكتفاء
لقلبك بياض لا ينتهي
ياربّ صبراً منكَ ارتوي منه كلما
اشتقت لأختي وسكينة تنزل على قلبي عندمااحنٌ لرؤيتها اجعلني يالله
خيرُ اخت لها و لا تجعلني ألهُو عن دُعائي لها
رحلت عني ولم ترحل مني ربي انها ليست معي لكنها في
قلبي وفي دعائي اللهم ارحم اختي فقيدتي بقدر اشتياقي لها
جميله الذكريات حين نحتفظ بها
في عمق الذاكره
اماكن جمعتنا مع من نحب
في اوقات ماضيه
ومازالو فيها احباب للقلب
نخاف العوده ل اماكن تخلو منهم
خشيه ان يطغى الحنين بالقلب
اكثر مما نحن عليه
ونلتثم الحزن بعدهم حتى تدمع العين
اياليت الاماكن ترفو علينا ب احبابنا
تواعدنا عند تلك الزوايا وتهب لنا
رؤياهم بعد وقت طويل
ليت بيدينا وصلهم وننفي عنا البعد
ولكن الجميل ان مايخصهم
عالق في ذاكرتنا حتى الموت
محال ان ننساهم مادامت الروح داخلنا
عبد العزيز .. سرد ممتع قرأت مرتين
وفي كل مره اشعر بتناوب المشاعر
في صف مذهل بين الشوق والوفاء
الحب والحزن ايضا
بين ذكرى عامره بالقلب وحنين لهم
ابدعت والله
تسلم الايادي
دام حرفك بيننا