كان الناس، حتى وقت قريب، يتعرفون على المحتال من رقم جواله أو هاتفه الثابت، وبمجرد اتصاله من دول معروفة، إلا أن
الاحتيال الإلكتروني في صورته الجديدة يستفيد من خدمة الشرائح الإلكترونية المحلية، التي توفرها بعض الشركات في برامج الحوسبة السحابية بمجرد الاشتراك..
يوجد في هذه الأيام إعلان متداول على منصة سناب شات، وهو موجه إلى السعوديات، ويعرض عليهن العمل عن بعد من بيوتهن في وظيفة مندوبة تسويق، مقابل راتب شهري يصل لقرابة 2700 دولار، بينما يمكن اختصار عملهن الفعلي في أنهن مجرد مستقبلات مالية لإرسال الأموال المشكوك في أمرها كل أسبوع، بموجب عقد ملزم وباستخدام حساباتهن الشخصية، ويتم التحويل على منصة للعملات الرقمية، أو عن طريق شراء دولارات رقمية بنفس القيمة، وبما يمكن صاحب العمل من سحب المبالغ إلكترونياً وبدون تعقيدات، وتستغل في ذلك عناوين وطنية ومحل حفاوة كتوطين الوظائف والتحول الرقمي.
ما سبق يمثل شكلاً من أشكال
الاحتيال المالي عن طريق الإنترنت، والذي تقدر خسائره السنوية، على المستوى المحلي، بحوالي 270 مليون دولار، وهذا يخص العمليات التي يكون ضحاياها من النساء لأن استهدافهن أسهل من الرجال، والإحصاءات تؤكد أن مدينة جدة تأتي في مقدمة المدن السعودية الأكثر قبولا بالعروض الوهمية، على الرغم من أن الديموغرافيا والتعداد السكاني ينحازان إلى الرياض التي جاءت في المرتبة الثانية، وعصابات
الاحتيال لا تنفذ أعمالها بصورة اعتباطية، وتدرس سلوكيات واهتمامات المجتمعات التي تحاول اقتحامها، باستخدام تقنية الهندسة الاجتماعية، وبحسب التقرير الذي صدر عن البنك المركزي السعودي في 2021، فإن ما يزيد على خمسة ملايين حساب بنكي فتحت عن بعد، دون التحقيق من تطابق هويتي العميل ومستخدم شبكة الجوال، وأنها تمثل ما نسبته 55% من إجمالي الحسابات المفتوحة بهذه الطريقة، ما يقيم احتمالية التعرض للاحتيال وضرورة الحذر بدرجة أكبر.
ما بين عامي 2019 و2021، ارتفعت المدفوعات الرقمية السعودية من 44% إلى 62%، والمتوقع أن تتجاوز 70% في 2025، والأرقام السابقة تعتبر جزءا من برنامج تطوير القطاع المالي وفق رؤية المملكة، وهو بالتأكيد أكثر موثوقية وفيه حوكمة واضحة ورقابة ولكنه ليس مأمونا بالكامل، فالقاعدة تفترض أن كل اختراق أمني أو تحايل يحدث في الغالب نتيجة لخطأ إنساني، وتصرفات الآدميين لا تقبل البرمجة، وتتفاقم المشكلة بوجود ثلاثة بنوك رقمية تحت التأسيس، وثلاثة وعشرين شركة تقدم خدمات المدفوعات الرقمية، وكلاهما مجرد تطبيق ذكي، بلا كيان فيزيائي أو واجهة إسمنتية، مقارنة بالبنوك والشركات التقليدية، ولعل الجانب الإيجابي يبدو في خفض تكاليف التشغيل والرسوم وزيادة التنافسية في خدمة العميل، ما يعني أنها لا تختلف من حيث المبدأ عن المنصات الاجتماعية الضخمة كشركة ميتا (فيسبوك) وبالتالي فاحتمالية خروج بيانات عملائها عن السيطرة واردة، مثلما حدث مع كامبريدج أناليتيكا.
المسألة لا تتوقف عند هذا الحد، ففد كان الناس، حتى وقت قريب، يتعرفون على المحتال من رقم جواله أو هاتفه الثابت، وبمجرد اتصاله من دول معروفة، إلا أن
الاحتيال الإلكتروني في صورته الجديدة يستفيد من خدمة الشرائح الإلكترونية المحلية، التي توفرها بعض الشركات في برامج الحوسبة السحابية بمجرد الاشتراك، فمن يتصل من رقم ثابت أو جوال سعودي قد يكون في جزر الواق واق، ووسيلته في التواصل مع الضحية من جهاز كمبيوتر ومدخل على الإنترنت، وهناك محتالون يبيعون على بعضهم المعلومات البنكية، ومعها حسابات نشطة بأسماء سعوديين، مع إمكانية الدخول عليها والإيداع والتحويل، وآخرون يستخدمون الإعلانات الوظيفية لجمع البيانات الشخصية والبنكية، والأعجب أن منصات السوشيال ميديا مازالت حتى هذا التاريخ، تسمح للمحتالين بالإعلانات الوهمية، وبأسماء شركات عالمية، ما يمنحهم موثوقية لا يستحقونها من الأساس، وحتى محركات البحث على الإنترنت تعطي الأولوية في نتائجها للإعلانات المزيفة.
الحماية من
الاحتيال تبدأ من البنك المركزي السعودي، وقد قام بدوره التشريعي وأصدر دليلا ملزما لمكافحة
الاحتيال في 2020، وفيه صلاحيات واسعة للبنوك، من بينها، حجز الحسابات المشتبه فيها بدون الرجوع إلى موافقة المحكمة أو (ساما)، ويفترض في المؤسسات المالية أن تعمل على أساليب رقابية مبتكرة، كتقنيات الذكاء الاصطناعي التي تعمل بطريقة آلية تتجاوز الروتين والبيروقراطية الحالية، وتطبيق كلنا أمن والشرطة، وبأسلوب يقيس سلوكيات العميل المصرفية بصورة دورية، كأن يقوم بإجراء عمليات معينة في أوقات محددة ولجهات معلومة دون غيرها، فإذا اختلفت طريقته وقام بعمليات غير معتادة يرفض الذكاء الاصطناعي إتمام العملية، ويقوم بإبلاغ مركز العمليات المشتركة للبنوك لمتابعة الاشتباه، وبدون تدخل من أحد.
بالإضافة إلى التعجيل في إقرار اللائحة التنفيذية لنظام حماية البيانات الشخصية السعودي، والاتفاق على حلول توفيقية لمعالجة تحفظات المؤسسات المالية عليها، وتحسين البنية التحتية لمكافحة الاحتيال، والأهم عدم تمكين غير السعوديين من الاطلاع على بيانات السعوديين الشخصية والبنكية، وبالأخص المتعاقدين، لأنهم قد يستخدمونها لمصلحتهم أو يبيعونها لآخرين أو يساومون عليها، وأقترح إدراج مادة عن الأمن السيبراني في مراحل التعليم العام والعالي، لأن تأثيرها سيفوق بالتأكيد حملات التوعية الموسمية، وسيجعلها حاضرة باستمرار في أذهان الناس.