بعد الحرب التي شنتها المملكة العربية السعودية ضد تنظيم القاعدة، أو كما يُسمى “تنظيم القاعدة في جزيرة العرب”، أخذ كثير من الحقائق يتكشف، وسقط جميع تلك العناصر في وحْل منهجية التطرف، التي نهلوها من مدرسة الإرهـاب “الأيديولوجي”، على أيدي منظري التنظيم، بعد نشأته وولادته، إبان حقبة التسعينيات، وانتشر بداية الألفية.
وتلك المنهجية للعلم، تفتقد لأبسط مقومات “الأخلاقيات الفردية”، و”أشكال الإنسانية”، وتضع الكراهية، وشهوة سفك الدماء، وقتـل الأبرياء، دعامةً أساسية لمنطلقاتها وتوجهاتها الفكرية، دون النظر باعتبار إلى الانتماء، لدينٍ يعتبر منارةً للتسامح والتعايش، من المفترض أن ينضوي تحته الجميع، وهذا ما تجسد في القول والعمل.
إذ تسبب أحد المدانين بالإرهاب الذي ضـرب المملكة، بمقتـل رفيق دربه، المدعو “عامر محسن الشهري”، الذي تعرض لإصابة على يد رجال الأمن في تلك الأحداث، وتحديداً خلال مواجهة مع رجال الأمن، في شهر الله الحرام برمضان من عام 2003، في حي السلي شرق العاصمة الرياض.
وبحسب المعلومات التي توفرت آنذاك، فقد قام الإرهابيون بنقل الشهري، إلى غرفة جرى عزلها بألواح من الفلين، حتى لا يسمع أنينه، ومنع عنه الطعام والشراب، عدا بعض السوائل، وتمت معالجته بوسائل بدائية، وبدأت حالته تسوء يوماً بعد آخر، إلى أن ظهر “تعفن” على الجرح، ونقص وزنه بشكل حاد، ثم دخل في مرحلة من الهذيان، وعندما وصلت حالته لتلك المرحلة، اقترح البعض من المقربين منه ومن دائرته تسليمه لأهله، إلا أن آخرين من المتنفذين في التنظيم رفضوا ذلك الاقتراح، وتُرك حتى غادر الحياة.
وفي تلك القصة التي ذاع صيتها كشفت حقيقة الإرهـاب المُمنهج، فقد ذهب الشهري ضحية تلك الإصابة أولاً، ورفض رفاقه إنقاذه بنقله لأحد المستشفيات خشية القبض عليهما ثانياً؛ ما أدى إلى وفاته، وتم دفنه في إحدى المناطق الصحراوية – على طريق الرياض القصيم السريع – خشية انكشاف الأمر؛ ومن ثم بعد اعترافات الأول، تم نبش قبره، وتسليم رُفاته إلى ذويه.
وهذه ليست الصورة الوحيدة للإرهـاب القاتم، من حيث انقلاب أفراد التنظيم على بعضهم البعض، فقصة راكان الصيخان، وناصر الراشد، مشابهة للقصة السابقة، وهو – أي الراشد – “الذي قرر التنظيم بتر إحدى قدميه بمنشار بعد إصابته بالغرغرينا”، فاكتنف غدر الأصحاب ورفاق المنهجية نهاية هذين الشخصين، بعد أن تم تركهما ينزفان ولم يُوفر لهما العلاج اللازم؛ جراء تلقيهما طلقات نارية، بعد تنفيذ هجوم في حي الفيحاء بالرياض، في إبريل من عام 2004؛ ما دفع أعضاء التنظيم لدفنهما بشكلٍ مهين، لا يرقى بالإنسان، في عملية أشرف عليها قائد التنظيم في تلك الفترة، عبدالعزيز المقرن.
وسجلات التنظيمات المتطرفة، كبيرة من ناحية تغلغل الغدر في نفوس أولئك المجرمين؛ إذ إنه من خلال النظر ببديهية المنطق، يمكن فهم هذا السلوك، لمن قام في الأصل بالغدر ببلاده ووطنه، الذي يعتبر بيتاً كبيراً للجميع، ناهيك عن أسرته، وذويه، وبيئته التي ولد وعاش وترعرع بها، في منظر سوءٍ، يؤكد حالة العفن الإنساني والأخلاقي، لهؤلاء الغادرين.
لكن اختصار السواد من الصفحات، يؤدي غرض الإضاءة على تلك الحالات المقيتة، فمن خلال هذا السرد القصصي الذي يعود بالتاريخ إلى سنوات عديدة للوراء، ينجلي العمق الهزيل غير الإنساني، والإرهابي لتنظيم القـاعدة، ومن ينتمي له، أو يؤيده حتى “لو بصمت”، وأثبتت الأحداث التاريخية فراغ المشروع من المضمون الإنساني، والأدهى من ذلك هو استناده إلى الدين الإسلامي، في مشروعة الكبير الأسود والغادر.
ومن هذا المنطلق، تناهض المملكة العربية السعودية، فكرة ربط الإسلام بأعمال الإرهـاب والتطرف؛ استناداً إلى أن الإسلام، يُجرّم العمليات الإرهـابية، ويحُرّم إراقة الدماء والغدر بالآمنين، وقتلهم بدون وجه حق، وتدين بذات الوقت كل عمل إرهـابي، أو ممارسات، أو أعمال تولّد الكراهية والعنف، وتحارب كل أشكال خطابات التطرف والإرهاب.