قيصر الكلم
07-15-2023, 12:03 PM
خرج من المنزل ، وسار بخطى وئيدة وعيناه على منزلهم الذي لا يبعدُ عن منزل شجرة الليمون إلا بضعة أمتار ، واتجه إلى حائطه المطلي باللون الأبيض ذي الأبواب البيضاء –الذي قطنه وهو في السابعة من العمر- ووقف أمام عمود الإنارة الذي يجلسون تحته ليلعبوا ما يحلوا لهم من ألعاب ، أو يتناولوا الشاي في ليالي رمضان ، أو يمضوها في السمر والأحاديث ، ثم مضى مباريًا المنزل ، ثم انعطف بعده يمينًا –من جانب الباب الأحمر الكبير- ، وجال في الحي ، وبين البيوت التي أعيد بناء بعضها ، وترميم وطلاء بعضها الآخر !
كان يجولُ في حيِّه الذي ظعن عنه أُلَّافُهُ ، ومضى عنه أنداده ، فقال : أيتها المنازل ، التي أضحتْ أطلالًا : أين أهلكِ الذين شادوكِ –فيما مضى- لبنةً لبنةً ، ثم حجرًا حجرًا ؟!
أين من عمروكِ بأخلاقهم ، قبل أن يبنوكِ بسواعدهم ؟!
أين من تعالتْ ضحكاتهم ، وملأ عَرَصَاتَكِ نقاؤهم ، طهرهم ، براءتهم ؟!
تغيرت المعالم ، وتبدلت المنازل ، ومضى أهل الحي ، وحل غيرهم ، فأين أهلكِ وأصحابكِ ؟!
وايم الحق ، لو نطقتْ لقالتْ : لبوا نداء من لا يرفض نداؤه ، ولا يعصى أمره ، فتبدلوا بالمنازل الفيحاء الأجداث الضيقة –جعلهم الله ممن مُدَّ لهم مَدَّ البصر- ، وإن لم تحرم على الأرض أجسادهم ، فلم يبق منهم غير عجب الذنب !
أجال ناظره في منازل الحي مرةً أخرى ، ثم ثبَّتَ بصره على منزلهم –المطلي باللون الأزرق ذي الأبواب الرصاصية- المطل على الشرق والجنوب الذي فيه نشأ ، وفي عرصته درج ، ووقف أمامه –وقوف الصفيِّ على قبر صفيِّه- مطأطئ الرأس ، شجي القلب ، ودموعه تنساب على وجنتيه وقدماه مسمَّرتان لم يَسْتَطِعِ الدُّخُولَ إليه للذكرى التي أَرْمَضَتْ قلَبَهُ ، وأحْرَقَتْ كَبِدَهُ !
وقفَ خارجه ينظرُ إلى النخلات الثلاث التي تُطاولُ الحائط ، وشجرة البرتقال بجانب الحظار التي له معها ذكرى وأي ذكرى ، ثم قال : لم أَحُلْ ولم أَنْسَ ، وليس الأمرُ بيدي لأتَّخذَ قراري ، ولكنه قرارٌ في النهاية سألقاه أطال الزمنُ أم قَصُرَ !
أذكرُ ولادتكَ في الليل ، أذكركَ عندما كنتَ تحبو وتدرجُ ، وتتعثَّرُ ! وأذكر مضيَّكَ معي إلى مغنى الصبا ، ولعبنا ولهونا !
أذكرُ ذكرى ! بل سهامًا تُغرزُ في قلبي ، وبركانًا يُحرقُ كبدي ، وحِمْلًا يُثقلُ كاهلي !
لم يَستطعِ المكُوثَ أكثر ، فنظر إلى الدرب الذي عن يمينه المؤدي إلى مغنى الصبا ، وملتقى أنداده ، وأترابه ، ثم نقل ناظره إلى الدرب الذي عن شماله المؤدي إلى المسجد ، ومنازل أنداده الآخرين ، أطال التأمل ، ثم مضى إلى مغنى الصبا ، وجال بين الأثل المتناثر فيه ، ...
يتبع ...
كان يجولُ في حيِّه الذي ظعن عنه أُلَّافُهُ ، ومضى عنه أنداده ، فقال : أيتها المنازل ، التي أضحتْ أطلالًا : أين أهلكِ الذين شادوكِ –فيما مضى- لبنةً لبنةً ، ثم حجرًا حجرًا ؟!
أين من عمروكِ بأخلاقهم ، قبل أن يبنوكِ بسواعدهم ؟!
أين من تعالتْ ضحكاتهم ، وملأ عَرَصَاتَكِ نقاؤهم ، طهرهم ، براءتهم ؟!
تغيرت المعالم ، وتبدلت المنازل ، ومضى أهل الحي ، وحل غيرهم ، فأين أهلكِ وأصحابكِ ؟!
وايم الحق ، لو نطقتْ لقالتْ : لبوا نداء من لا يرفض نداؤه ، ولا يعصى أمره ، فتبدلوا بالمنازل الفيحاء الأجداث الضيقة –جعلهم الله ممن مُدَّ لهم مَدَّ البصر- ، وإن لم تحرم على الأرض أجسادهم ، فلم يبق منهم غير عجب الذنب !
أجال ناظره في منازل الحي مرةً أخرى ، ثم ثبَّتَ بصره على منزلهم –المطلي باللون الأزرق ذي الأبواب الرصاصية- المطل على الشرق والجنوب الذي فيه نشأ ، وفي عرصته درج ، ووقف أمامه –وقوف الصفيِّ على قبر صفيِّه- مطأطئ الرأس ، شجي القلب ، ودموعه تنساب على وجنتيه وقدماه مسمَّرتان لم يَسْتَطِعِ الدُّخُولَ إليه للذكرى التي أَرْمَضَتْ قلَبَهُ ، وأحْرَقَتْ كَبِدَهُ !
وقفَ خارجه ينظرُ إلى النخلات الثلاث التي تُطاولُ الحائط ، وشجرة البرتقال بجانب الحظار التي له معها ذكرى وأي ذكرى ، ثم قال : لم أَحُلْ ولم أَنْسَ ، وليس الأمرُ بيدي لأتَّخذَ قراري ، ولكنه قرارٌ في النهاية سألقاه أطال الزمنُ أم قَصُرَ !
أذكرُ ولادتكَ في الليل ، أذكركَ عندما كنتَ تحبو وتدرجُ ، وتتعثَّرُ ! وأذكر مضيَّكَ معي إلى مغنى الصبا ، ولعبنا ولهونا !
أذكرُ ذكرى ! بل سهامًا تُغرزُ في قلبي ، وبركانًا يُحرقُ كبدي ، وحِمْلًا يُثقلُ كاهلي !
لم يَستطعِ المكُوثَ أكثر ، فنظر إلى الدرب الذي عن يمينه المؤدي إلى مغنى الصبا ، وملتقى أنداده ، وأترابه ، ثم نقل ناظره إلى الدرب الذي عن شماله المؤدي إلى المسجد ، ومنازل أنداده الآخرين ، أطال التأمل ، ثم مضى إلى مغنى الصبا ، وجال بين الأثل المتناثر فيه ، ...
يتبع ...